غير مصنف

دراسة نقدية للإعلامي والشاعر / سيد حسن عن كتابين للأديب عصام قابيل: إبراهيم الخليل وذريته عليهم السلام ، رؤية جديدة لحدث جلل عظيم.

كتبت أميمه المعداوى
..الدراما الإنسانية فى حياة العظماء
عندما تكون أمام أديب متميز يمتلك قدرة مدهشة على التعبير اللغوى الدال على المستويين الشفاهى والكتابى فى آن معا، ويكون هذا الأديب قد نذر تجربته الإبداعية وملكاته اللغوية من أجل رسالة دعوية نبيلة، فإنك تصبح أمام حالة خاصة من حالات الإبداع ذى الرسالة. وهذه الحالة تتجلى فى واحدة من أروع صورها فى تجربة هذا الأديب المتميز عصام قابيل بصفة عامة، وفى هذا الكتاب بصفة خاصة، وسوف نحاول معا أن نكتشف نقاط تميز هذا الكتاب ومنطلقات الكاتب فى كتابته. إن خليل الله إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء نعم، لذلك فالحديث عنه وعن ذريته هو حديث عن رحلة إيمانية ودعوية عظيمة تضم ضمن سياقها اربعة من أولى العزم من الرسل، لكن هذا ليس السبب الوحيد الذى يجعل التوقف أمام قصة إبراهيم عليه السلام جاذبا لكل ذى عقل يتأمل وقلب يعى ونفس تستشعر. لا أظن أن حياة إنسان آخرى قد امتلأت بهذه الدراما الإنسانية العميقة فى مراحلها كلها، هى دراما إنسانية ملأى بالمحن التى تتحول إلى منح ربانية جليلة، بعد أن امتحنت هذه النفس الإنسانية فى أقسى ما يمكن أن تمتحن فيه النفس. فمن محنة البحث الروحانى عن الحقيقة الإلهية، إلى محنة التحريق، ومن محنة غضب الأب ودعوته ابنه إلى أن يهجره، إلى محنة طمع الطامعين على سطوتهم وسلطانهم الغاشم فى زوجته، ومن محنة الحوار العقلى مع ذلك النمرود الذى ظن ذاته يحيى ويميت إلى محنة اللامتثال العاطفى القاسى للأمر الإلهى بأن يترك زوجته وابنه وحيدين فى هذا العراء الموحش…. ثم تأتى محنة المحن وذروة الدرام الإنسانية العظيمة فى الأمر الإلهى من الله تعالى إلى نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام بأن يذبح ابنه، وهى محنة تتكاثف قسوتها وتتعالى محنتها لأسباب عدة، فهذا الأب الشيخ هو ذاته الذى كان فتى بارا بأبيه كل البر حين لم يزد على أن قال له على كفره وقسوته سأستغفر لك ربى …. وظل يحمل خوفه من أن يكون وليا للشيطان فيمسه الله بعذاب أليم …. وهذا الابن هو ذاته الذى تركه أبوه هنا طفلا صغيرا وحيدا مع أمه فى العراء….. وهذا الأب الشيخ هو ذاته الذى لم يرزق الأبناء إلا بعد أن بلغ من العمر عتيا …. محنة فوق محنة واختبار فوق اختبار… ودراما إنسانيا تدعو كل ذى عقل إلى أن يتأمل وكل ذى قلب إلى أن يعتبر ويعتبر. ماذا تتوقع إذن من أديب كأديبا المتيز عصام قابيل حين يجد ذاته أمام هذا المنجم الإنسانى والدعوى العظيم الذى تتوهج بدايته بكل هذه الدروس والعبر والدلالات والإيحاءات والمحن والمنح؟! حين تستعرض صفحات هذا الكتاب القيم، فإنك سوف تجد أن الكاتب قد سخر كل ملكاته ومواهبه اللغوية والأدبية فى عرض جوانب هذه الملحمة الإنسانية الجليلة التى تبدأ منذ خليل الرحمن عليه السلام وصولا إلى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام. وحين تتأمل ما كتبه مؤلفنا فسوف تدهشك الوقفات العقلية المتأملة التى يتوقفها الأستاذ عصام قابيل، فسوف تكتشف معانى جديدة لم تلتفت إليها من قبل، وسوف تدهشك طريقة المؤلف فى استخراج المعانى الكامنة فى المواقف الحياتية ببساطة ورشاقة تيسر الأمر أمام كل قارىء على تباين مستويات القراء الثقافية. ما أحوجنا إلى مثل هذه الكتب التى تعيد تأمل فصولا من تاريخنا الإسلامى الممتد مستخرجة ما بها من معان وقيم وأفكار وعبر ، مستظلة بظل النص القرآنى الكريم . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى