تحصين العقول للواء دكتور / محمود ضياء إستشارى الدفاع والأمن القومى
متابعة على صبرى إستمراراً لسلسلة تحصين العقول والتى بدأناها سوياً منذ أيام قليلة، ولحرصى على أبنائى من الأجيال الصاعدة خاصة فى المرحلة الجامعية، والتى تتصارع فيها الأفكار، ويبحث الشاب فيها على هويته، ويبرز دور الإستقطاب من التيارات المختلفة سواء السياسية، أو الدينية، أو الرياضية، أو المتشددة 000 ألخ، وجب علينا أن نساهم فى توعية أبنائنا وتحصينهم ضد التيارات المتشددة فكرياً فى أى من المجالات، لأن الغلو والتطرف منبوذ فى أى شئ. بداية دعونا نعرف ما هو التطرف، فالتطرف فى أبسط معانيه هو الغلو والتشدد والمبالغة والبعد عن الوسطية أو عن الشئ الطبيعى، وهو أيضاً الخروج عن قيم ومعايير وعادات المجتمع وتبنى ما هو مخالف لها، ومن أهم صور التطرف : التطرف الفكرى والذى يعد أخطر أنواع التطرف ويتمثل فى الخروج عن القواعد الفكرية والثقافية السائدة فى المجتمع ومن مظاهره التعصب للرأى وعدم قبول الآخر، والتطرف الدينى ويبرز فى البعد عن الإعتدال والوسطية والسماحة والمحبة التى تنادى بها جميع الأديان السماوية فكراً وعملاً، وأيضاً هناك التطرف السياسى والذى يتمثل فى إتخاذ مواقف عنصرية متشددة تجاه حزب معين أو شعب من الشعوب أو جماعة من الجماعات أونادى من الأندية الرياضية، وأخيراً التطرف الأخلاقى والسلوكى والإجتماعى وأعتقد أنهم لا يحتاجوا إلى تعريف فما نشاهده ونسمع به الأن فى كافة الأوساط من إنحرافات فى الملبس، والتعامل مع الأسرة، وإحترام الكبير وتوقيره، وسلوكيات فى المعاملات، وخلافه، تعكس للأسف ما وصل إليه الكثير من أبنائنا من إنحرافات أخلاقية وسلوكية. وللتطرف إنعكاساته السلبية على المجتمع والسلم والأمن الإجتماعى، وعلى الأمن القومى للدولة عامة، فهو يعيق عملية التنمية، ويزيد من مساحة الفرقة والإختلاف، ويخلق حالة من عدم الإستقرار والتوتر، والتى قد تصل إلى العنف والإرهاب والإعتداء على الأبرياء والممتلكات وفوضى الأمن بالمجتمع، الأمر الذى يزيد الأعباء على الأجهزة والمؤسسات المعنية بحفظ الأمن بالدولة. ومما لا شك فيه أن الشباب يمثلون العنصر الهام فى نشاط الحركة السياسية بالمجتمع، فهم أكثر الفئات العمرية تأثراً بعوامل التغيير التى يمر بها المجتمع فى مراحل تطوره، وهم أيضاً الأكثر قبولاً وإستعداداً لممارسة العنف عن غيرهم إرتباطاً بطبيعة خصائصهم النفسية والجسمية التى تجعلهم أكثر إنفعالاً وتطلعاً للمستقبل بهدف تحقيق ذاتهم، وهذا ما يجعلهم الأكثر إستهدافاً ليمثلوا إحدى القوى المجتمعية الهامة للضغط السياسى فى كافة المسارات والمجتمعات، من خلال دفعهم للإنغلاق الفكرى بتبنيهم أفكار غير سليمة تولد أقوالاً وأفعالاً ضارة بالنفس وبالآخرين وبالمحيط الذى يعيش فيه الفرد، وسعيهم لفرض أرائهم وأفكارهم بالعنف والقوة. وتعد التنشئة الأسرية الخاطئة وإنخفاض المستوى الإقتصادى والإجتماعى للأسرة وإنتشار العشوائيات، أبرز أسباب وعوامل نمو التطرف، فالشباب الذى نشأ فى المناطق العشوائية يسهل إستقطابه وتجنيده من قبل الجماعات المتطرفة والتى تتخذ من التشدد والعنف وسيلة لتحقيق أهدافها. من هنا يبرز دور الأمن الفكرى لتحصين المجتمع وأفراده وتوجيههم وحثهم على التمسك بالوسطية والبعد عن الغلو والتطرف والتشدد فى الفكر والعمل، فالخطر الحقيقى لا يكمن فى وجود بعض الأفراد من ذوى الفكر المتشدد، بل فى إنتشار الفكر المتشدد والمتطرف وإتساع نطاقه ونمو وإزدياد مؤيديه، وتحوله إلى جزء من ثقافة المجتمع، ثم محاولة فرضه بالقوة. ولمعالجة ظاهرة التطرف يجب العمل على إستعادة الأسرة لدورها الريادى فى غرس قيم التسامح وإحترام القانون، وتعزيز الولاء والإنتماء للوطن وتحمل المسؤولية تجاهه، وهو الدور الأساسى والذى تراجع للأسف بشدة خلال السنوات الأخيرة، كما يجب تنمية الوعى السياسى والإجتماعى والفكرى والثقافى لدى أبنائنا من خلال إبراز قيم الوسطية والإعتدال وترسيخ مبادئ الحوار الديمقراطى وإحترام الآخر، بالتوازى مع تحسين الأوضاع الإقتصادية، وتوفير فرص عمل لشباب الخريجين، وأن تفرز الجامعات والمعاهد التعليمية لنا خريجين وفقاً لإحتياجات سوق العمل الفعلية، وليس حاملى شهادات فقط، بالإضافة إلى تحقيق الإنضباط فى المنظومة الإعلامية وأن تراعى المصداقية والأمانة فى العرض ويتم تنقية الإعلام من الدخلاء الباحثين عن الثراء على حساب أمن وإستقرار الوطن، غير مدركين أن الكلمة والصورة التى تبث من خلال تلك القنوات يمكنها تدمير أجيال بل أوطان. ومن هنا أيضاً يبرز دور المجتمع فى مواجهة التطرف حيث تسهم قوة المجتمع وتماسكه فى الحد من التطرف فيجب أيضاً تعظيم دور المؤسسات الدينية من مساجد وكنائس فى التعريف بصحيح الأديان، كما يجب على المواطن وهو العنصر الأساسى فى مواجهة التطرف بوعيه ومشاركته الفاعلة فى بناء وطنه من خلال عدم الإستماع للشائعات، والدفاع عن مكتسبات الوطن، وتحصين نفسه بالعلم والمعلومات الموثوقة من مصادرها الصحيحة، وأن يكون مواطناً فاعلاً فى الحفاظ على الأمن بالإبلاغ عن أى شئ يثير الشبهات.